ونحن نستعرض في هذه الزاوية الأماكن التي تناولتها عيون الشعر قديما وحديثا من الأودية والجبال والقرى في وطننا الحبيب فقد عز علينا أن نتخطى أشهر جبال المملكة التي خلدها الشعر قديما وحديثا وتجاوزت شهرته حدود المملكة إلى آفاق الوطن العربي الكبير ، كيف لا ؟ وهذا المعلم قد اشتهر بأروع قصص الحب العذري في التاريخ العربي مما دونتها كتب التراث وتناقلها الرواة ، إنه جبل العاشقين كما أطلق عليه الكثيرون أو جبل التوباد كما هو اسمه منذ مئات السنين ولازال، هذا الجبل شهدت صخوره وتضاريسه فصول أروع قصص الحب العذري بين قيس بن الملوح وابنة عمه ليلى العامرية ، هذه القصة التي وقعت في زمن الخليفة الأموي مروان بن الحكم في حدود عام 65 هجرية وما بعدها، وقد بدأت فصول هذه القصة في طفولتهما كما يصف ذلك قيس في أحد أبياته التي تقول:
تعلقت ليلى وهي غرٌّ صغيرةٌ
ولم يبد للأتراب من ثديها حجم
صغيرين نرعى البهم يا ليت أننا
إلى اليوم لم نكبر ولم تكبر البهم
وبطبيعة الحال فهناك تفاصيل وأبيات كثيرة لمجنون ليلى حول هذه القصة العذرية شيء منه صحيح وبعضها من نسج الرواة والتي لا يتسع المجال لإيرادها هنا لكننا نأتي إلى هذا الجبل الصغير في حجمه ، الجميل فيما خلده من معان جميله لمعاني الحب الطاهر العفيف، فهذا الجبل يقع في قرية الغيل التي تقع على مسافة 35 كم شمال غرب مدينة الأفلاج وعلى مسافة تزيد على الثلاثمائة وخمسين كيلو مترا من الرياض من ناحية الجنوب الغربي ، ومما قاله قيس بن الملوح في هذا الجبل:
وأجهشت (للتوباد) حين رأيته
وكبر للرحمن حين رآني
وأذرفت دمع العين لما عرفته
ونادى بأعلى صوته فدعاني
فقلت له أين الذين عهدتهم
حواليك في خصب وطيب زمان
فقال مضوا واستودعوني بلادهم
ومن ذا الذي يبقى من الحدثان
وإني لأبكي اليوم من حذري
غداً فراقك والحيان مؤتلفان
وقد صاغ أمير الشعراء قصة قيس وليلى شعرا فقال على لسان قيس:
جبل (التوباد) حياك الحيا
وسقى الله صبانا ورعى
فيك ناغينا الهوى في مهده
ورضعناه فكنت المُرضِعا
وحدونا الشمس في مغربها
وبكرنا فسبقنا المطلعا
وعلى سفحك عشنا زمنا
ورعينا غنم الأهل معا
ومن الشعر الشعبي الذي قيل في هذا الجبل ما قاله الشاعر صالح آل صمع:
على ذكراك ياللحد النديم لوحشة( التوباد)
نعيتك لآخر حدود الكلام وضيقة الكنه
وانا ماني بكفو لك ولا لي فالغرام أحفاد
تخلد سيرة الشاعر خلود النار والجنة
وانا يا قيس لولا الظرف يجبرني على المقعاد
لاهيم بكل وادي لجل أقاضي لك بلا منه
حتى قال
يذكرك بليال مرجهنه في ثرى (التوباد)
ولك من خاطري نزف الفواد وواهج الكنه
ويقول الشاعر احمد الجعيد :
لو حكى لو قال مهما قال لو قل احترامه
انتي انتي مثل منتي منه تسوين أربعين
مايهزك يالمى (التوباد) ريح من تهامة
والله ليوصل لمدك ويرجع بخفي حنين
تعليقات
إرسال تعليق